مسلسل : (مازالوا يكذبون !!) : فشيخ الإسلام ابن تيمية قد أفتى بجواز القتل حرقا
مسلسل : (مازالوا يكذبون !!)
فشيخ الإسلام ابن تيمية قد أفتى بجواز القتل حرقا
سوف أجعل هذا المقال جوابا على بعض الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع ، ولن أجيب عن كل أسئلته واستفهاماته :
السؤال الأول : هل أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بجواز القصاص قتلا بالتحريق ؟
الجواب : نعم ، بلا أدنى شك ! وكل من قال خلاف ذلك فهو بين جاهل بأقواله ، أو كذاب !!
وإليك هذه النصوص :
الأول : ((وهذه حجة من رأى من الفقهاء أنه لا قود إلا بالسيف في العنق قال: لأن القتل بغير السيف وفي غير العنق لا نعلم فيه المماثلة ، بل قد يكون التحريق والتغريق والتوسيط ونحو ذلك أشد إيلاما ؛ لكن الذين قالوا: يفعل به مثل ما فعل قولهم أقرب إلى العدل)) (مجموع الفتاوى 18/ 168) .
الثاني : في مجموع الفتاوى (20/ 351-352) قال : ((والله قد شرع القصاص في النفوس والأموال والأعراض بحسب الإمكان فقال تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية وقال تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية وقال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} الآية وقال تعالى: {فمن اعتدى عليكم} الآية وقال تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية فإذا قتل الرجل من يكافئه عمدا عدوانا كان عليه القود ثم يجوز أن يفعل به مثل ما فعل؛ كما يقوله أهل المدينة ومن وافقهم كالشافعي وأحمد في إحدى الروايتين بحسب الإمكان؛ إذا لم يكن تحريمه بحق الله كما إذا رضخ رأسه كما {رضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأس اليهودي الذي رضخ رأس الجارية} كان ذلك أتم في العدل بمن قتله بالسيف في عنقه )) .
الثالث : وقال في مجموع الفتاوى (28/ 381) : ((وهكذا قال كثير من الفقهاء: إذا قتله بتحريق أو تغريق أو خنق أو نحو ذلك : فإنه يفعل به كما فعل ، ما لم يكن الفعل محرما في نفسه كتجريع الخمر واللواط به.
ومنهم من قال: لا قود عليه إلا بالسيف.
والأول أشبه بالكتاب والسنة والعدل)) .
وهذا نص صريح ، ويبين أن التحريق عند ابن تيمية ليس من جنس المحرم في نفسه ؛ لأنه عدّه في أمثلة ما يجوز على القول الأول الذي رجح صحته ((بالكتاب والسنة والعدل)) كما قال .
الرابع : وقال شيخ الإسلام كما في جامع المسائل (2/ 268) : (( وكذلك لم يتنازعوا فيما ظَهرتْ فيه المماثلةُ في القصاص، كما لو قَطَعَ عُنُقَه بالسيف، فاتفقوا على أنه يُقْطَعُ عنقُه بالسيف.
ولكن تنازعوا فيما إذا قتلَه بالجرحِ في غيرِ العنقِ ، أو بغير القتلِ كالتحريق والتغريق : هل يُفْعَل به كما فَعَل- كما يقوله مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايات-؛ أو لا قَوَدَ إلاّ بالحديد في العُنُق- كقول أبي حنيفة واْحمد في إحدى الروايات-؛ أو يُفرق بين الجرح المُزْهِق وغير المُزْهق- كالرواية الثالثة عن أحمد-؛ أو بين المُزْهق وما كان مُوجبًا للقَوَدِ بنفسِه كقطع اليد، وبين ما ليس من هذين النوعين- كالرواية الرابعة عن أحمد-؟
فهذا من اجتهاد العلماء في تحقيق القياس والعدل والتماثل الذي اتفقوا على اعتبارِه، متى تعذرتِ المماثلةُ المطلقةُ من كل وجه.
والذي يدل عليه النصُّ والاعتبار الصحيحُ : هو القول الأول ، وهو أن يُفعَل به كما فَعَلَ ، فإن ماتَ بذلك ، وإلّا قُتِل ؛ فإن النبي- صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ برَضْخِ رأسِ اليهوديِّ الذي رَضَخَ رأس الجارية، لما اعترفَ بأنه قتلَها ، وكان هذا قَتْلاً بالقصاصِ لا بِنَقْضِ العَهْدِ، إذْ لو قَتَلَه بمجرد نقضِ العهد- كما يُقْتَل الحربيُّ الأسِيْرُ- لقَتَلَه في العنق . وأيضًا فالعدلُ في أن يُفْعَلَ به كما فَعَلَ أقربُ من أن تُضْرَبَ عنقُه بالسيف، مع كونه حَرَّقَ الأولَ، أو قَطَعَ أربعتَه، أو مَثل به)) .
ولذلك فقد نص ابن مفلح وغيره على هذا الاختيار لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه هو الراجح عنده ، كما تجده في الإنصاف للمرداوي –مع الشرح الكبير ، وتحقيق د/ عبد الله التركي- (25/ 181-182) ، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام لدى تلامذته جمع وإعداد سامي جاد الله (2/ 841-842) .
فلا مجال لإنكار ثبوت ذلك عن شيخ الإسلام كما ذهب إلى ذلك الضعفاء من معتادي التلبيس والكذب ، أو الكلام بجهل .
فقد زعم بعضهم أنه إنما أجاز الحرق بعد القتل من باب المعاملة بالمثل ، وهذا ليس صحيحا كما ترى ، فالنص هنا عن القتل بالتحريق .
وزعم آخرون : أن هذا النقل يخالف نقلا له آخر ، وهو أنه حكى عن الإمام أحمد عدم جواز ذلك !
وهذا فوق كونه كذبا على ابن تيمية ؛ لأن ابن تيمية قد نقل عن الإمام أحمد في جواز القصاص بغير السيف روايتين كما رأيت ، بل ثلاث روايات ، فلا يصح أن نحرف دلالة كلام ابن تيمية الصريحة لأنه يخالف نقله عن الإمام أحمد ، خاصة ونحن نعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يلتزم بمذهب أحمد . بل في هذه النقول يذكر ابن تيمية المذاهب ، ومنها قولا لأحمد بعدم الجواز ، ثم يصرح باختياره وأنه الأعدل .
السؤال الثاني : هل انفرد شيخ الإسلام بهذا التقرير من بين فقهاء المسلمين ، حتى يُخص بالإنكار عليه ؟
الجواب : لا ، فقد سُبق إليه وشُورك به من بعض من جاء بعده من أتباع المذاهب ومن الخارجين عن المذاهب تحت مسمى الاجتهاد .
فجعل هذا القول من خصائص ابن تيمية ظلم له !!
السؤال الثالث : هل كونه من أقوال بعض أهل العلم مما يجعله قولا راجحا ، أو خلافا سائغا ؟
الجواب : أما أنه راجح ، فلا ، فهو يعارض الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (( لا يعذب بالنار إلا رب النار)) ، ولا مقال لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما هل الاختلاف فيه سائغ أو لا ؟
فالجواب : أنه عندي غير سائغ ، لكونه يعارض حديثا صحيحا مرويا من وجوه تقطع بصحته ، ولكون دلالته قوية في الدلالة على التحريم ، مع كونه يعارض نصوصا أخرى تحرم هذه البشاعات ، ويعارض أصولا قطعية في هذا الدين .
وهذا يؤكد ضرورة مراجعة التراث الاجتهادي بعلم وصدق وموضوعية منهجية ، لتخليصه من أخطائه .
السؤال الرابع : لو ادعى غيرك سواغ الاختلاف في ذلك ، ونازع في دعواك عدم سواغه ؟ فماذا ستقول له ؟
الجواب : أن من أراد أن يحتج بسواغ الاختلاف لفعل داعش فهو كمن يحتج برأيه في سواغ الاختلاف في شرب النبيذ الذي كان يجيزه فقهاء الكوفة بشروط على فعل الخمارين السكارى وحانات الشراب .
فداعش ليست أهلا لإقامة الحدود المنصوصة في الكتاب والسنة والمتفق عليها ؛ لأنهم عصابة مجرمة . ومن يحتج لهم بذلك كمن يحتج بإعدام المجرمين لرجل الشرطة ؛ لأنه كان قد قتل منهم واحدا ، بأنه قصاص عادل من رجل الشرطة : نفسا بنفس !!
فلا تناقش داعش على استدلالاتها ، وإنما نبين للناس عدم مشروعية وجودها وإجرامية فكرها . أما مناقشتهم في ذلك فهي تعطيهم مصداقية ، لا يستحقون شيئا منها .
السؤال الخامس : هل هذا الاختلاف من خصائص الفقه الإسلامي ؟
الجواب : لا ، ليس كذلك . فالحرق حيا أكثر من مارسه ممارسة كثيرة جدا النصرانية ، ومحاكم التفتيش وحرق الأحياء من النصارى المخالفين فضلا عن المسلمين واليهود كان ممارسة مشهورة عند الكنيسة .
فليس هذا الخطأ من خصائص التراث الإسلامي .
تاريخ النشر : 1436/04/18 هـ
طباعة المقالة