الرد على أحدهم ممن ردَّ على تقريري لمفهوم (العبادة) وردي على ابتداعه في معنى العبادة

الرد على أحدهم ممن ردَّ على تقريري لمفهوم (العبادة)
وردي على ابتداعه في معنى العبادة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فقد زعم أحدُ المتحمسين بغير علم (هداه الله ووفقه للحق) أنه يريد الرد على تقريري في بيان شرك العبادة ، الذي أثبتُّ أنه هو تقرير القرآن الكريم وبفهم أهل العلم السابقين في درس بلغ مجموع حلقاته أكثر من إحدى عشرة ساعة .
وأنصح هؤلاء الذين يريدون الرد أن يعلموا أن زمن التهويش على الحق بتكثير ما يُزعم أنه رد زمنٌ قد وَلَّى ، مع انفتاح العالم الذي استغلوا انغلاقه عليهم في فترة من الفترات ، ومع افتضاح مناهج الجهل والتلبيس التي كانوا يتبعونها.
وأنصحهم أن يعلموا بأن اتباع منهج الكفار في التلبيس لا يليق بالمسلم الذي يبتغي الحق، منهج الكفار الذي أخبرنا الله عنه في قوله تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ ، ثم ألا يخشون من أن يصيبهم بعض ما تُوعِّد به الكفار مما قد يستحقه المسلم إذا تشبه ببعض سوءات الكفار ، كسوأة التخطيط لصد الناس عن سماع الحق باللغو فيه ، عندما قال تعالى عقب الآية السابقة ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
***
ومما يظهر مقدار بغيهم : أنه لم يَكْفِ هؤلاء أن أقول : إن الاستغاثة بالأموات حرام مقطوع بحرمتها ، والخلاف فيها غير سائغ ولا معتبر ، لم يكفهم أني قلت : إنه يجب إنكارها ، لم يكفهم أنني قلت : إنها قد تكون ذريعة للشرك .
كل هذا لم يكفهم ، إلا أن أقول باطلهم : وهو أن أقول (حسب تقريرهم الباطل) : إنها الشرك الأكبر المخرج من الملة ؛ لأكفِّر بذلك مئات الملايين من المسلمين .
يعني إما أن أكفِّر المسلمين (بالملايين) ، وإما أني أمثِّل خطرا على ما زعموه توحيدا، وما هو إلا التكفير ، الذي عَظَّم الله ورسوله الحكمَ به على أهل التوحيد (أهل الشهادتين).
فالخطر الشديد هو في مقالتهم التي كان مآلها تكفير مئات ملايين المسلمين ، وما يستتبعه ذلك من استباحة الدماء والأعراض وإثارة الفتن في الأمة .
فليتهم يعرفون موضع الخطر الحقيقي ، وأنه ما هم عليه من التقريرات التكفيرية الباطلة .
***
فكان من أول ما زعمه صاحب هذا الرد : أنه زعم أنني قد خالفت الإجماع ، والحقيقة أنه يعلم أن ما يقوله هو ليس عليه إجماع (في أقل تقدير)، رغم ادعائه خلاف ذلك !
ذلك أنه هو وغيره يزعم أن تقريري هو تقرير المتكلمين من الأشعرية وغيرهم، مع أن تقريري هو تقرير جميع أهل العلم (من المتكلمين وغيرهم) خلافا للرادّ ولبعض المتأخرين ممن يتعصب لهم .
فإن كان يعلم المعترِض ذلك : فكيف يعتقد انعقاد الإجماع مع مخالفة أئمة أتباع المذاهب لتقريره هو ؟! كيف ينعقد إجماعٌ مع مخالفة جماهير أتباع المذاهب من الحنفية والمالكية والشافعية وبعض الحنابلة ؟! من كبار أئمة الإسلام : كالنووي والقرطبي وأمثالهم .
إلا إن اعتقد جاهلٌ مجرمٌ كُفْرَهم : فلا يؤثِّر خلافُهم بسبب كُفْرهم في صحة انعقاد الإجماع ؟! فهذا شأن آخر ، أو أن اعتقد مغرورٌ بجهله وحمقه ضلالَهم ، وأنه هو ما يمنع من اعتبار خلافهم مطلقا .
وأذكِّره أن ابن تيمية لا يرى الإجماعَ منعقدًا إلا بموافقة الإمامية (الرافضة)، حتى إنه قال في آخر تقريره في ذلك : «فإن أدلة الإجماع إنما دلّت على عصمة المؤمنين بلفظ المؤمنين ولفظ الأمة ، كقوله تعالى {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله (صلى الله عليه وسلم) : "لا تجتمع أمتي على ضلالة" . فإذا كان اسم المؤمنين وأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) يتناولهم ، ولهم نظرٌ واستدلال ، ولهم دينٌ يُوجِبُ قَصْدَهم الحقَّ = لم يبقَ وجهٌ لمنع الاعتدادِ بهم» .الردّ على السبكي في مسألة تعليق الطلاق لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/661- 662) ، وقد بدأ الكلام عن ذلك من (2/659) .
***
ثم ما زال المعترض يتعامى عما بينه القرآن الكريم من صور الشرك التي ذكرها في آيتين :
- ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾
- ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
وأن صورة الولي من الذل والظهير المعاون هي صورة شرك العبادة التي تخل بالربوبية ، وتنسب للمعبود بعض خصائص الرب ، دون أن تعارض الإقرار لله تعالى بأنه الخالق المالك المدبر ؛ لأنها صورة تقر بانفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير والنفع والضر ، لكن مع حاجته في بعض ذلك إلى تلك الآلهة المزعومة .
فلا أدري إلى متى يستمرون بالخداع ، وكأنهم ما رأوا هذا الإلزام القاطع لثرثرتهم وكلامهم المكرَّر بلا معنى .
هل يظنون أن مجرد سرد الآيات بلا فهم لها سيكون سببا لنصرة باطلهم ، فلقد سبقهم الخوارج في حشر ما أسموه بآيات الحاكمية التي استندوا إليها في تكفير علي بن أبي طالب hوكل الأمة ممن لم يدخل في بدعتهم .
تكثير ذكر الآيات مع بيان العلماء بطلانَ استدلالهم بها ، وتكرارهم هذا الذكر رغم بيان بطلان فهمهم ، يدل على إفلاسهم في الحجة ، واتباعهم للهوى ، وانعدام خضوعهم لأدلة الوحي . فهو على الضدّ مما خدعوا به الناسَ لعقودٍ مضت : من أنهم يعظمون النص بذلك السرد للنصوص بتحريفٍ منهم لدلالاتها ومعانيها .
لقد نصحت لهم : عندما ذكّرتهم أنهم يخالفون فيمن يخالفون شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، ونقلت لهم نصوصهما التي تحصر حصرا صريحا صور شرك العبادة فيما يخل بالربوبية !
أنتم تخالفون من تنتسبون إليهم ، فاتقوا الله تعالى ! بل تنسبون إليهم خلاف صريح كلامهم ، وتتركون نصوصهم المحكمة ، ككلامهم في حصر صور الشرك ، وتتمسكون بعبارات محتملة ، لا تقاوم إحكام تلك العبارات الصريحة الحاصرة لصور شرك العبادة فيما أخل بالربوبية .
يقول ابن تيمية في زيارة القبور : «وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ - وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22 - 23] فبين سبحانه أن من دعي من دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة والبشر وغيرهم أنهم لا يملكون مثقال ذرة في ملكه، وأنه ليس له شريك في ملكه، بل هو سبحانه له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وأنه ليس له عون يعاونه كما يكون للملك أعوان وظهراء، وأن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى، فنفى بذلك وجوه الشرك
وذلك أن من يدعون من دونه إما أن يكون مالكا، وإما أن لا يكون مالكا وإذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا، وإما أن لا يكون شريكا، وإذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاونا وإما أن يكون سائلا طالبا، فالأقسام الأول الثلاثة وهي: الملك، والشركة، والمعاونة منتفية. وأما الرابع: فلا يكون إلا من بعد إذنه، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ». زيارة القبور لابن تيمية (7)، ومجموع الفتاوى (27/ 66).
وقال في مجموع الفتاوى (7/ 77) : «وقال: {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} فنفى عما سواه كل ما يتعلق به المشركون: فنفى أن يكون لغيره ملك ، أو قسط من الملك ، أو يكون عونا لله ، ولم يبق إلا الشفاعة؛ فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب ، كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقال تعالى عن الملائكة: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} . وقال: {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} . فهذه " الشفاعة " التي يظنها المشركون؛ هي منتفية يوم القيامة كما نفاها».
وتكلم ابن تيمية عن الشفاعة الشركية ، وبين صورتها ، فإذا بها شفاعة تخل بخصائص الربوبية في الله تعالى لصالح الشفعاء ، وأنهم يشفعون بغير إذن الله ، وفيما لا يرتضي ، فقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/ 341) : « فالمشركون أثبتوا الشفاعة التي هي شرك؛ كشفاعة المخلوق عند المخلوق كما يشفع عند الملوك خواصهم لحاجة الملوك إلى ذلك فيسألونهم بغير إذنهم وتجيب الملوك سؤالهم لحاجتهم إليهم فالذين أثبتوا مثل هذه الشفاعة عند الله تعالى مشركون كفار؛ لأن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ولا يحتاج إلى أحد من خلقه بل من رحمته وإحسانه إجابة دعاء الشافعين وهو سبحانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها. ولهذا قال تعالى: {ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع} وقال: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ..».
وقال في جامع المسائل –الثانية 81- : «فالمشركون والنصارى ونحوهم أثبتوا شُفَعَاءَ لهم بدون إذنِه، وهذه الشفاعة التي نفاها الله في كتابه، فقال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾».
وقال ابن قيم الجوزية في مختصر الصواعق : «فحججه سبحانه العقلية التي في كتابه جمعت بين كونها عقلية سمعية ظاهرة واضحة قليلة المقدمات، مثل قوله تعالى فيما حاج به عباده من إقامة التوحيد وبطلان الشرك وقطع أسبابه وحسم مواده كلها {قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير - ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} [سبأ: 22 - 23] فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين مجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسد بها عليهم أبلغ سد وأحكمه، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه، وإلا فلو كان لا يرجو منفعة لم يتعلق قلبه به، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكا للأسباب التي ينفع بها عابده، أو شريكا لمالكها، أو ظهيرا أو وزيرا أو معاونا له أو وجيها ذا حرمة وقدر يشفع عنده، فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده، فنفى سبحانه عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض، فقد يقول المشرك: هي شريكة المالك الحق، فنفى شركها له، فيقول المشرك: قد يكون ظهيرا أو وزيرا أو معاونا فقال: {وما له منهم من ظهير} [سبأ: 22] ولم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم، وأخبر أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، فإن لم يأذن للشافع لم يتقدم بالشفاعة بين يديه، كما يكون في حق المخلوقين، فإن المشفوع عنده يحتاج إلى الشافع ومعاونته له، فيقبل شفاعته وإن لم يأذن له فيها، وأما من كل ما سواه فقير إليه بذاته، فهو الغني بذاته عن كل ما سواه، فكيف يشفع عنده أحد بغير إذنه؟».
فلماذا لا يناقشون ابن تيمية وابن القيم وهما يأتيان على فهمهم لشرك العبادة من أساسه بالنقض والإزالة ؟! وتقرير ابن تيمية وابن القيم في هذه المواضع القاطعة الصريحة هو تقريري نفسه ، ما خرج عن تقريرهما قيد أنملة !
وقد كررت كلامهما (رحمهما الله تعالى) في دروسي ، وفي لقائي مع الأستاذ مشعان الرخيمي، ومع ذلك ما تجرأ أحد منهم على مناقشة هذا الاستدلال بكتاب الله ، والذي يوافقه علماء المسلمين قاطبة ، قبلهم ، حتى ابن تيمية وابن القيم اللذين يزعمون الانتساب إلى منهجهما .
وسوف يزعمون أن لابن تيمية وابن القيم كلاما يدل على تقريرهم ، وسوف يأتون بعبارات لهما قد تشتبه على من لم يفرق بين العبارات المحكمة والعبارات المشتبهة . لكن هذا لن ينفعهم في شيء ؛ لأن قطعية دلالة العبارات هي علامة الكلام المحكم ، وليس هناك أقطع في الدلالة من العبارات السابقة ، فهي عبارات محكمة لا تحتمل التأويل . فإن أصروا على وجود عبارات أخرى تناقضها لابن تيمية وابن القيم ، وزعموها محكمة أيضًا ، فقد نسبوهما إلى التناقض ؛ لأن المحكم لا يعارض المحكم إلا بالتناقض في الرأي ، أو بادعاء عدم الثبوت ، وليسوا قادرين على أي دعوى منهما : التناقض والتشكيك في الثبوت .
لذلك أنصح من لبّسوا عليه بكلامهم وبدعواهم أنهم يتّبعون ابن تيمية وابن القيم : أن يطلب منهم أن يشرحوا له العبارات السابقة لابن تيمية وابن القيم ، ومثيلاتها مما ذكرته في درسي المصور الذي يُردّ عليه ، وأن يبينوا له كيف لا تكون تلك العبارات بدلالاتها القاطعة مناقضةً لما ينسبونه إليهما . قُل لهم أيها المبتغي للحق : اشرحوا تلك العبارات من العبارات نفسها، ولا تسمح لهم بتحريف دلالاتها بدعاواهم الخالية من دليل ؛ إلا من استدلالهم الأخرق بمحل النزاع . وإني لكفيلٌ لطالب العلم –إن هو طلب ذلك الطلب - أنه سيجدهم متبلّدين حَيْرَىٰ لا يُحيرون جوابا ، ولا ينطقون خطأً ولا صوابا ، إلا من فأفأة المندهش وتأتأة الحيران ، أو من لغو اللف والدوران ، ومن السياحة في خُطب التَّوَهَان : طويلة الذيل يُنسي آخرُها أولها ولا علاقة لها بالموضوع !
***
ثم نأتي لتعريف هذا المتعالم الذي نرد عليه الذي عرَّفَ به (العبادة)، وهو تعريف جديد مخترع منه ، ما قاله شيوخه ولا شيوخ شيوخه، اخترعه وهو يظنه تعريفا ينفعه في الدفاع عن باطله وباطلهم ، وقد عهدناهم يطالبون بالسلف حتى في حك الرأس (حقيقةً ، لا مجازًا كما عبر بعض السلف مجازًا، ففهمه بعضهم حقيقةً!) ، فقال :
«العبادة هي فعل العبد (وليس مجرد اعتقاد) وهي الذل والخضوع للشيء على وجه التأله والتعبد والتعظيم .
دون تقييد العبادة باعتقاد مخصوص» .
كذا قال !
أولا :فعرّف العبادة بقيد (التعبد) ، وهذا أكبر دليل على جهل شديد بطريقة التعاريف ، وأن التعريف لن يكون تعريفا إذا عرّفته بنفسه ، وهو قد جعل من بين قيود (العبادة) فعل العبد على وجه (التعبد)، فما هو (التعبد) الذي إذا فُعل الشيء على وجهه كان (عبادة)؟ سيقول لك : (العبادة) التي تُفعل على وجه (التعبد)!!
بالله عليكم ! هل قائل هذا الكلام يفهم شيئا ، حتى يظن نفسه أهلا للرد والتعقب ؟! أم أن الأولى به أن يرجع إلى مقاعد الدراسة الأولى ، ليتعلّم ، إن أراد الله به خيرا. فهو يعرِّف الشيء بنفسه ، وهو يظن نفسه قد عرّفه .
ثانيا :وعَرَّفَ العبادة بأنها (على وجه التألُّه) ، ولو سُئل عن الإله ، ما معناه ؟ لقال: هو (المعبود بحق). فرجعنا إلى أن (العبادة) هي فعل شيء على وجه صرفه (للمعبود بحق)، وهو (الإله) ! فعُدْنا إلى تفسير الماء بعد الجهد بالماء ! جهلا بحقيقة الفهم ، فضلا عن حقيقة العلم !
ثالثا : يقول : «وليس مجرد اعتقاد»: كان ينبغي أن يقول : ولا يُشترط له الاعتقاد ، كما صرح بذلك في آخر التعريف ، عندما قال أيضًا : «دون تقييد العبادة باعتقاد مخصوص».
لكنه نُصح بأن لا يقول ذلك ؛ لأن ناصحه يعلم أن ذلك سيوقعه في جهالات كثيرة ، وفي تناقضات فاضحة ، كما وقع فعلا ، مما سيأتي بيانه .
رابعا : يقول : «وليس مجرد اعتقاد»، هل يعني : أن الاعتقاد لا يكفي للوقوع في شرك العبادة ؟ أم يقصد أن شرك العبادة يكفي فيه الفعل دون اعتقاد ، وهو ما صرح به في موطن آخر ؟!
أما إن قصد الأول : فهذا يعني أن الشرك لا يقع بالاعتقاد أبدًا ، بل لا بد من الفعل ! وهذا ما لا يقوله عاقل ، فالشرك الاعتقادي بالمحبة والخوف والرجاء الذي لا يُصرف مثله إلا للرب هو رأس الشرك . قال الله تعالى عن شرك المحبة : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ .
وأما إن قال خلاف ذلك ، فقال : يكون الشرك بالاعتقاد وحده ، فهلا بيّن لنا إذن ضابط شرك المحبة وشرك الخوف وشرك الرجاء ؟ متى يقع الشرك بذلك ؟
وأنبهه : أن لا يقول : هو أن يحب غير الله كحب الله تعالى ، وأن يخشى غير الله كخشيته سبحانه ، وأن يرجوه كرجائه عز وجل .
بالله عليك لا تقل هذا الهراء ! لأن السؤال هو : متى يكون حب غير الله كحب الله تعالى ، ومتى تكون خشية غير الله كخشيته سبحانه ، ومتى يكون رجاء غير الله كرجائه عز وجل !
وسألتك بالله ، لا تحسب الضابط هو مطلق شدة المحبة وشدة الخوف وشدة الرجاء : فقد يموت المسلم عشقا ، ولا يكفر بذلك ، وقد يموت خوفا ولا يكون مشركا بذلك ، وقد يموت فرحا بحصول المرجو ولا يخرج من الإسلام بذلك . رغم أن عامة المؤمنين لا يموتون حبا لله تعالى ولا خوفا ولا رجاء ، وما صاروا بذلك قاصري الإيمان !
ضع ضابط (شِرْكِ الاعتقاد) أيها المتحدث بما تجهل !
وإنما أسألك بالله تذكيرا لك بأن لا تكابر وتعاند انتصارًا للباطل الذي كنت عليه ، لكي أقيم عليك الحجة أمام الله تعالى ، إذا ما أصررتَ على ترديد الباطل حميةً جاهلية .
وأما إن قصد الثاني : أن شرك العبادة يكفي فيه الفعل دون اعتقاد ، فهل يعي معناه ؟! أعوذ بالله من الجهل !
معنى ذلك : أن المكره كافر ؛ لأنه فعل فعلا من الذل والخضوع على وجه التأله والتعبد والتعظيم ، لكنه لا يعتقد أن المصروف له ذلك الفعل مستحق للعبادة ، وإنما فعله مكرها ، خشية القتل ، ممن يعزم على قتله (قادرا عليه) لو لم يفعل .
وبالله عليك لا تقل : إن هذا إنما أخرجه النص وحده : ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾! بالله لا تتفوه بهذا الجهل والحمق في الرد ؛ لأن معنى الاقتصار هنا على موضع النص ، ونقض معناه في غيره : هو من أكبر المطاعن في الشريعة : بأنها تُفرِّق في الكفر والإيمان بين المتماثلات وتجمع بين المتناقضات!! وهذا الجهل سيعني أن أمرًا واحدا في حقيقته يكون كفرًا مرات ولا يكون كفرًا مرات أخرى دون اختلافٍ في حقيقته !!
وإنما سألته بالله أن لا يجيب بهذا الجواب ؛ لأني عهدتهم يجيبون بنحوه ، ولأن هذا الجواب فيه طعنٌ عظيمٌ في الشريعة لا يسمح بنسبتها لله العليم الحكيم سبحانه وتعالى !
ثم بقية الآية ترد على هذا الهذيان ، لو صدر من أحمق ؛ إذ يقول الله عز وجل في تمامها ﴿ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾، فبين الله تعالى أن الكفر مرتبط بعمل القلب ، فمن شرح صدره للكفر كَفَر ، ولذلك لم يَكْفُر المكرهُ ؛ لأنه لم ينشرح صَدْرُه بالكفر .
ثم :
- كيف سيفرِّق هذا المتعالم بين قيام المسلم عبادةً لله تعظيما في الصلاة وقيامه تعظيما لأهل الفضل والعلم من العلماء والوالدين ؟
- كيف سيفرق بين سجود يعقوب (عليه السلام) وأبنائه ليوسف (عليه السلام) وسجودهم جميعا لله تعالى ، مع تذكير الجاهل أن التوحيد لا تختلف فيه الشرائع ، فتحريم السجود علينا لا يعني أن شرك سجود تعظيم العبادة كان مباحا ليعقوب ثم حرمه الله على أمة الإسلام ، ولا يقول هذا القولَ الباطلَ عاقلٌ أبدًا ، وإلا لنسب إلى الله تعالى إباحة الشرك في الشرائع السابقة. ولذلك يكون مجرد اختلاف شريعتنا عن الشرائع السابقة في السجود لغير الله هو وحده من أوضح الأدلة على أن غاية الذل والخضوع بالسجود ليس وحده عبادة ؛ إلا بالاعتقاد المصاحب للسجود ، رغم كونه ذلا وخضوعا بالفعل على وجه التعظيم للمسجود له ، وإلا لما سجدت الملائكة لآدم (عليه السلام) ولا سجد يعقوب (عليه السلام) ليوسف (عليه السلام).
وقد رددت على من زعم أن هذا سجود تحية لا سجود تعظيم في دروسي ، وبينت سخف هذا الجواب .
- وبماذا سيجيب عن حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد ، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها»، وهو حديث صحيح ، بمجموع طرقه في أقل تقدير ، وقد حسنه الترمذي ، وصححه النسائي (بإخراجه والتبويب له بلا إعلال)، وصححه ابن حبان ، والحاكم ، والضياء المقدسي ، وعبد الحق الإشبيلي ، والألباني ، ومقبل الوادعي، وعدد من الباحثين المعاصرين . فلو كان السجود لغير الله تعالى شركا لما أمكن أن يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا التعبير ؛ لأن معناه سيكون - باعتبار السجود عبادةً وشركا - : لو كنت آمرًا أحدًا أن يُشرك بأحد مع الله تعالى لأمرت المرأة أن تُشرك بزوجها !! وهذا المعنى لا ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا الطاعنُ في النبي (صلى الله عليه وسلم)!! ذلك أن السجود أظهر مظاهر الذل العملي والخضوع بالفعل ، ولذلك أصلا خُصّ بالنهي والتحريم في ملتنا ملة التوحيد والإسلام ، سدًّا لذريعة الشرك ، لا لأنه هو بذاته شركٌ ؛ لأنه لو كان هو بذاته شركا لما صلح أن يقول (صلى الله عليه وسلم): «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد ، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها».
- ونقول لهذا المتعالم أيضًا : كيف ستفرق بين ذبحك لله تعالى عبادةَ تعظيمٍ وذبحك لمن تعظمه من العلماء والكبراء ؟ بالله عليك ، لا تقل : هذا احترام وليس تعظيما ؛ إذ من قال إن الاحترام ليس تعظيما ؟! ومن قال : إن التعظيم لا يكون إلا لله ، فنحن نعظم الرسول ﷺ بوجوه عظيمة من التعظيم، وقد قال تعالى ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾، والتوقير هو : الاحترام والإجلال والتعظيم، بلا خلاف ، وقد أمرنا الله تعالى به مع نبيه (صلى الله عليه وسلم)، في قول جماهير المفسرين ممن جعلوا الضمير في التعزير والتوقير عائدًا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). ونحن نعظم الكعبة أيضًا ، وندعو : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما .. ولم يكن شيءٌ من ذلك شركًا !
- وقد يُقبِّل المخطئُ المجرمُ قَدَمَ من يريد أن ينتصف منه ذلا وخضوعا له ، في مشهدٍ هو مشهدٌ في غاية الذل والخضوع ، ولا يكون هذا منه شركا عند أحد من العقلاء ، وإن استقبحه أهل المروءات في أكثر من الحالات .
- وقد يذل الابنُ لأبويه ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾، فيكون ممدوحًا بذلك ، ولا يكون عابدا لهما . ولا تقل : هذا ذل رحمة ، وليس ذل تعظيم ؛ لأنه لو ذَلَّ لهما وهما قويان قادران وهو محتاج إليهما ، لن يكون ذُلُّه لهما ذُلَّ رحمة وعطف من قويٍّ لضعيف ، بل سيكون ذل المفتقر إلى رضاهما في الدنيا والآخرة ، وهذه صورة من أوضح صور التعظيم .
الغريب أن صاحب هذا الرد يتناقض دون أن يشعر ، فقد قال بعد ساعة و2 دقيقة والثانية 43 : «ولذلك نقول إن العبادة لا تُقيَّد باعتقاد مخصوص: فإن من عبد غير الله بأن تذلل له، وخضع على وجه التعظيم له والتأله والتعبد فهو مشرك بالله، مع قطع النظر عن سبب تعبده أو عن اعتقاده في المعبود.
بل يكفي أن يعتقد استحقاقه للتعظيم .
يكفي أن يعتقد العابد أنها تستحق أن يفعل معها هذا الفعل الذي هو عبادة ..الخ». هذا لفظ كلامه .
فهنا يقول : «لا تُقيد باعتقاد مخصوص»، ثم يقول : «بل يكفي أن يعتقد استحقاقه للتعظيم»، ويقول أيضًا : « يكفي أن يعتقد العابد أنها تستحق ...»!!
ما هذا القدر من التناقض الـمُخْزِي ؟!
مرة : (بلا اعتقاد ) وفي تعريفه للعبادة يقول : «دون تقييد العبادة باعتقاد مخصوص»، ثم يقول : «يكفي أن يعتقد استحقاقه للتعظيم»!!
هل يفهم المتعالمُ أن اعتقاد استحقاقِ التعظيم هو اعتقادٌ مخصوص؟!
هل يفهم أن اعتقاد العابد أنها تستحق أن يفعل معها هذا الفعل الذي هو عبادة هو اعتقاد مخصوص ؟!
فإن لم يكن هذا اعتقادا مخصوصا ، فما هو الاعتقاد المخصوص ؟!
بل هل يعلم أنه وافقني بهذا الكلام موافقة تامة : فوالله إني ما زدت عن أن قلت: إن من صرف عملا قلبيا أو من أعمال الجوارح لمن يعتقد أنه مستحق للعبادة فهو مشرك ، هذا هو قولي نفسه . فإذا به يكرره في سياق الرد عليّ ، وفي سياق ادعاء عدم اشتراط أي اعتقاد ! وهو نفسه يشترط اعتقاد التعظيم، ويشترط اعتقادَ استحقاق العبادة !
اللهم نسألك الأجر في تعليم هؤلاء المتعالمين الجهلة !
الفرق بين تقرير العلم وتقرير الجهل : أنني بَيّنتُ معنى : اعتقاد استحقاق العبادة ، وبيّنتُ حدَّ التعظيم الذي يصبح به عبادة ، وأما تقرير الجهل : فإنه قد حاص في التناقض الفاضح ، ولا خرج إلا بثرثرة خاليةٍ من معنى .
وعندما قال في تعريف العبادة : «وهي الذل والخضوع»، هل يعني بذلك أن شرك العبادة لا يكون شركا إلا بفعل ظاهره ذل وخضوع ؟! فماذا سيقول عمن يعبد إلهه بالرقص حوله والصفيق والتصفير ؟ هل هذا شرك عبادة أم لا ؟
قال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ الأنفال: ٣٥، وكما جاء في بعض تفاسير قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ الأعراف: ٥١.
والمكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق .
وقد قيل في تفسير هذه الآية أنهم كانوا يفعلون ذلك إيذاء للنبي ﷺ ، ولكن الذي ثبت عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن قريشا كانت تتعبد الله بالصفيق والتصفير ، وهو ما رجحه عدد من المفسرين كالواحدي وابن عطية وغيرهما .
وقد قال ابن تيمية في جواب سُؤال وُجّه إليه : «لا يجوز السجود لغير الله واتخاذ الضرب بالدف والغناء والرقص عبادة»، فالرقص قد يكون من صور العبادة حتى عند ابن تيمية في سياقه ذكر العبادات الباطلة ، مع أن الرقص والغناء ليس فيه ذل وخضوع ظاهر ، وإنما صار عبادة باعتقاد مخصوص ، لا بفعل شيء هو بذاته ذل وخضوع .
ولا شك أنه يوجد في أهل الشرك اليوم من يعبد أصنامه ومعبوداته بالرقص والغناء .
وهذا يعني : أن الفعل قد يكون عبادة ، وليس فيه أي مظهر من مظاهر الذل والخضوع ، فضلا عن غايتهما .
فهل علم صاحب هذا الرد مقدار جهله ، ومقدار ما تكلفه من الرد بغير علم !
هل علم أنه نطق جهلا ، وقال باطلا ، وزعم الرد وهو لا يحسن أن يعرف تقرير نفسه ، حتى وقع في تلك التناقضات والجهالات الفاضحة !
والله إن أمثال هذا الرادِّ لَعِبرَةٌ من عِبَرِ زماننا : هو في هذا الجهل وانعدام الفهم ، مع ذلك هو في طيش من الغرور الذي يوهمه القدرةَ على مناقشة ما لا يتصوره من المعارف والمعاني!
ولو أنه حرص على الأدب في طلب العلم لترفقتُ في بيان جهله أكثر من ترفقي هذا ، لكنه جلس مجلس القاضي الجاهل ، فادعى أنني صاحب (بَوَاقِع) : جمعُ (باقعة)! وهو لا يعلم أنه ما زال ومن هم على رأيه يَلِجُون بباقعةٍ من جَهْلِ وبغيٍ ويخرجون بأشد منها !
فأحببت أنأؤدبه ببيان جهله وضعف تفكيره ؛ إذْ طالما نفع التأديب ؛ ؟ إذا لم ينفع المرء عقله وعلمه ! وفقه الله وهداه !!
ومع أني كتبت هذا الرد في التاريخ المدون في آخره ، أي من قرابة سنة ؛ إلا أني لم أنشره في حينه ؛ لأني لا أريد أن أعين على الرفع من شأنه بالرد على أمثاله من الجهلة المتعالمين ، فقد خبرتهم يفرحون بالرد عليهم ، ويقتاتون على الردود ، وتأتي الواحد منهم رسائل كثيرة تشكره على الرد عليّ ، ويدعون له ببياض الوجه لردّه (المفحم) على المبتدع الضالّ المدعو الشريف حاتم العوني....! فينتفخ بذلك، متوهّمًا أنه جاهد بلسانه ، وينتظر مترقِّبًا الجولة الثانية التي يرفع بها خسيسته عند قومه .
لذلك لم أشأ أن أكون فتنة له بنشر الردّ في حينه ، ولكن لما مضت هذه الفترة سيكون في نشر هذا الرد عليه :
- ما ينفع من فضح قدره من الفهم ، أما العلم فهو عنه بمعزل .
- ويبيّن للناس أنه عندي أقل من أحتفل للرد عليه .
- وسيوضح لطالب العلم الصغير الذي لم ينشّأ على تمييز الكلام العلمي والكلام الجهلي الذي لا يعرف كيف يستدل ولا كيف يناقش ولا كيف يقرر ولا كيف يفهم ، فضلا عن أن يعرف كيف يردّ !
وأخيرا : أريد من قارئ هذا المقال أن يعذرني في بعض عبارات التوصيف العلمي الدقيق لبعض شناعات هذا الرادّ ، فهي الأوصاف الدقيقة التي يستحقها الردّ وصاحبه ، وليست شتما لا يوافق الواقع . وإلا بماذا يمكن وصف ردود هذا الشخص وأمثاله التي بينت مقدار ما فيها من التناقض والتقرير المضطرب كل الاضطراب والتعامي عن حججٍ كنت كررتُها قد كشفت عورة تقريرهم وأنهم لم يتبعوا الكتاب والسنة ولا العلماء الذين يزعمون الاستناد إليهم : كابن تيمية وابن القيم .
والعلم لا يقبل المداهنة ولا الإغضاء ، العلم صَلِفٌ شديد ، وسيفهُ صارمٌ حديد ، فكيف مع تقريرٍ إليه تستند الجماعات المتطرفة كداعش وأخواتها في استباحة الدماء والأعراض وتخريب الأوطان . هل يستحق مثل هذا التقرير أن يُجامَل ويُتلطَّف معه ومع من جاء يركض مدافعا عنه بجهل وتعالم ، وتعرَّض للحق يريد الصدَّ عن هدايته بكلام لا يمت إلا للباطل وعُدته ؟!
وكتب
12/ 2/ 1442هـ
تاريخ النشر : 1443/02/02 هـ
طباعة المقالة